Dec 29, 2025, 10:18:45 PM

حكاية علاء عبد الفتاح: من الترحيب البريطاني إلى العزلة السياسية بعد الخروج من مصر

حكاية علاء عبد الفتاح: من الترحيب البريطاني إلى العزلة السياسية بعد الخروج من مصر

بين لحظة تنفّس الصعداء فوق مقاعد الطائرة المتجهة إلى ما يُروَّج له بوصفه «بلاد الحريات»، ولحظة الاصطدام بواقع سياسي وإعلامي بالغ التعقيد، تتكشف فصول قصة أثارت جدلًا واسعًا داخل الأوساط البريطانية والمصرية على حد سواء. خرج علاء عبد الفتاح من مصر محاطًا بتوقعات عالية بأن يجد استقبال الأبطال، وأن يتحول وصوله إلى حدث رمزي لخطاب حقوق الإنسان. غير أن ما تلا الوصول حمل مسارًا مغايرًا، عنوانه الأسئلة الحرجة، والبحث في الأرشيف، والجدل حول خطاب الكراهية، وحدود حرية التعبير، ومسؤولية الكلمة في الفضاء العام.


من مطار الحلم إلى ترحيب افتراضي

لم تشهد صالات الوصول حشودًا ولا عدسات تنتظر «الوافد الجديد»، لكن الترحيب جاء هذه المرة عبر الفضاء الرقمي. فقد صدرت تهنئة رسمية مقتضبة على منصة «إكس»، قدّم فيها مسؤول بريطاني رفيع التهنئة بوصوله إلى بلد يحمل جنسية والدته، في إشارة سياسية رمزية أكثر منها احتفاءً جماهيريًا. بدا المشهد وكأنه يعكس فجوة بين سردية متوقعة واستقبال واقعي محدود، لكنه ظل كافيًا لإشعال نقاش عام واسع.


بريطانيا وملف الحقوق: سياق لا ينفصل

لطالما قدّمت بريطانيا نفسها بوصفها ساحة رحبة لحرية التعبير وحماية الحقوق، مع حساسية عالية تجاه القضايا العابرة للحدود. غير أن هذا الخطاب يصطدم، في كثير من الأحيان، بامتحان التطبيق العملي حين تتقاطع الحرية مع التحريض أو الكراهية. هنا بدأ الاهتمام لا بالحدث ذاته، بل بسجل التصريحات والمنشورات السابقة، وبمدى اتساقها مع القيم المعلنة.


البحث في الأرشيف: حين تتكلم التغريدات

لم يستغرق التدقيق وقتًا طويلًا. سرعان ما أُعيد تداول منشورات قديمة نُسبت لعبد الفتاح، تتضمن تعميمات حادة ولغة صدامية. وبغضّ النظر عن اختلاف التقييمات السياسية، فقد أثارت هذه المواد تساؤلات داخل دوائر ثقافية وإعلامية بريطانية حول ما إذا كانت بعض العبارات تقع ضمن نطاق النقد السياسي المشروع أم تتجاوز إلى خطاب كراهية مرفوض قانونيًا وأخلاقيًا.

H3: حدود الحرية ومسؤولية الكلمة

تُجمع مدارس القانون والإعلام في بريطانيا على أن حرية التعبير ليست مطلقة، وأنها تتوقف عند التحريض على العنف أو التمييز. لذلك، تحوّل النقاش من «قضية حقوقية» إلى «مسألة خطاب»، وما إذا كان الاعتذار اللاحق كافيًا لمعالجة الأثر.


الاعتذار… وهل يكفي؟

أصدر عبد الفتاح اعتذارًا علنيًا عن بعض ما نُسب إليه من عبارات، مؤكدًا رفضه للكراهية. إلا أن الاعتذار فتح بابًا جديدًا للأسئلة: لماذا جاء الآن؟ وهل شمل كل ما أُثير، بما في ذلك منشورات باللغة العربية تناولت مؤسسات وأفرادًا داخل مصر؟ هذه الأسئلة طُرحت علنًا، لا سيما من أصوات كانت محسوبة على دوائر التعاطف سابقًا.


أصوات نقدية من الداخل

برزت تساؤلات مؤلمة حول أثر الخطاب السابق على أسر وأفراد ذُكروا في منشورات قديمة، وحول الكلفة النفسية والاجتماعية للكلمة حين تُطلق بلا ضوابط. لم يكن الجدل شخصيًا بقدر ما كان نقاشًا عامًا حول معيارية المواقف: هل تُقاس الأخطاء بلغة واحدة؟ وهل يُعتذر عن بعض الخطاب دون غيره؟


من التعاطف إلى العزلة: كيف تغيّرت الصورة؟

تدريجيًا، خفتت موجة الترحيب، وحلّ محلها حذر سياسي وإعلامي. فبين رغبة في الدفاع عن حرية الرأي، وضرورة رفض التحريض، وجد كثيرون أنفسهم أمام معادلة صعبة. النتيجة كانت عزلة نسبية، وتحوّل الاهتمام من «قضية سجين رأي» إلى «اختبار مصداقية خطاب».


الدروس الأوسع: السياسة، الإعلام، والرأي العام

تكشف هذه القصة عن ثلاثة دروس رئيسية:

  1. الفضاء الرقمي ذاكرة لا تنسى: ما يُكتب يبقى، ويُستدعى عند تغير السياق.

  2. الاعتذار خطوة لا نهاية: قيمته تتحدد بمداه وشموله وصدقيته.

  3. السرديات العابرة للحدود معقّدة: ما يُستقبل بتعاطف في سياق قد يُعاد تقييمه في سياق آخر.


الحرية مسئولية قبل ان تكون شعارا

بين مصر وبريطانيا، وبين التعاطف والنبذ، تقف حكاية علاء عبد الفتاح مثالًا حيًا على تشابك السياسة بالإعلام، وعلى أن الحرية مسؤولية قبل أن تكون شعارًا. فالعالم الذي يفتح أبوابه للاختلاف، لا يتساهل مع التحريض، والذاكرة العامة—خصوصًا الرقمية—لا تمنح صكوك براءة دائمة. هكذا انتهت رحلة توقّعها كثيرون ملحمية، لتصبح نقاشًا مفتوحًا حول حدود الكلمة، وثمنها، ومسؤوليتها.